فصل: الفصل الأول: في شروطها

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***


الفصل الثاني‏:‏ في زيادة الفعل

ففي الجواهر‏:‏ إن كان من جنس الصلاة وزاد في الرباعية ركعة صحت، أو ركعتين ففي الصحة قولان‏:‏ أو اربعا فالمشهور البطلان، ورويت الصحة، وإن زاد في الصبح مثلها؛ فإن قلنا بالبطلان في الرباعية في الركعتين فههنا أولى لتفاوت النسبة، وإلا ففي البطلان قولان؛ وإن زاد فيها ركعة فقولان - نظرا إلى يساره الزيادة، أو عظم النسبة؛ وفي إلحاق الثلاثية بالرباعية أو الثنائية قولان، وحيث صححنا سجد بعد السلام، وتبطل بزيادة العمد ولو بسجدة، وفي إلحاق الجهل بالعمد أو بالنسيان قولان؛ وإن كانت من غير جنسها، قال صاحب المقدمات‏:‏ إن كثر جدا أبطلها، وإن قل فثلاثة أقسام جائز‏:‏ كحية تريده فيقتلها - ويبني أنه في صلاة فلا سجود، ومكروه كحية أو عقرب يقتلها إذا مرت بين يديه، ففي السجود قولان؛ ومحرم كالأكل والشرب، فقيل‏:‏ يسجد، وقيل‏:‏ تبطل‏.‏ وفي الفصل ستة فروع‏:‏

الأول‏:‏ إذا اعتقد ثلاثا فاتم ثم تبين أنها أربع، رجع حين ذكره، ويجلس ويسلم ويسجد - وقاله ‏(‏ش‏)‏؛ وقال ‏(‏ح‏)‏ يرجع من لم يسجد في الخامسة فتبطل صلاته؛ إلا أن يكون جلس بعد الرابعة قدر التشهد، فتكون الخامسة تطوعا يضيف إليها أخرى ويسلم، لنا ما في الصحيحين أنه - عليه السلام - صلى الظهر خمسا، فلما سلم قيل له‏:‏ أزيد في الصلاة‏؟‏ قال‏:‏ وما ذاك‏؟‏ قالوا صليت خمسا فسجد سجدتين ثم سلم، ثم قال‏:‏ إنما أنا بشر مثلكم؛ انسى كما تنسون، فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين‏.‏

الثاني‏:‏ قال ابن القاسم في الكتاب‏:‏ إذا قام إلى خامسة سهوا واتبعه ساه ومتعمد وجلس آخر؛ صحت صلاتهم - إلا العامد لقصده لزيادة، وقاله ‏(‏ش‏)‏‏.‏ وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ إن قام قبل التشهد بطلت صلاته، وإلا صحت؛ ويجوز عنده أن يتنفل بإحرام الفرض بعد تمامه؛ لأن السلام عنده ليس من الصلاة، وإنما هو مناف لها؛ ونحن نمنعه ذلك، وإن سلمنا أنه ليس من الصلاة، فهو شرط التحليل ومفارقة العبادة الأولى؛ قال صاحب التنبيهات‏:‏ قال سحنون معناه في الكتاب‏:‏ أن الجالس يسبح به، فإن لم يسبح أعاد أبدا، قال صاحب الطراز‏:‏ فلو قال كنت أسقطت سجدة من الأولى ولم أنبه، قال ابن المواز‏:‏ تبطل على من لم يتبعه وتصح لمن اتبعه مطلقا؛ قال‏:‏ يريد إذا شكوا أو تيقنوا النقصان، وقال سحنون‏:‏ صلاة الساهين تامة والعامدين باطلة - إن تيقنوا الزيادة، إلا أن يتأولوا وجوب الاتباع؛ لأن الفعل تبع للاعتقاد، قال‏:‏ ويتخرج على هذا إذا تعمد خمسا فتبين أنها أربع، قال ابن الماجشون‏:‏ لا يضره، وقال ابن القاسم‏:‏ إذا صلى خمسا سهوا، ثم ذكر سجدة من الأولى؛ يأتي بركعة، قال ابن المواز‏:‏ والصواب الاكتفاء بالخامسة؛ وإذا لم يعتد بها سهوا، فأولى عمدا؛ قال ويتخرج فرع الخلاف إذا أحرم بفريضة ثم اعتقد أنه أحرم بنافلة وتمادى؛ ففي الإجزاء قولان؛ فلو إن معه مسبوقا بركعة فجلس، وقال الإمام اسقطت سجدة من الأولى، قال ابن المواز‏:‏ إن صدقه كل من خلفه أعاد هذا صلاته؛ وإن لم يصدقه أحد؛ لم يعد، فلو قام للخامسة سهوا فدخل معه فيها مسبوق لم يجزه، وقاله ‏(‏ح‏)‏ خلافا ‏(‏ش‏)‏؛ لأنها غير معتد بها‏.‏ وقد سلم ‏(‏ش‏)‏ إذا رجع الإمام فدخل معه، ثم سها فركع ورفع الداخل معه إن ذلك لا يجزيه وكلاهما سواء؛ فلو قام معه فيها مسبوق لم يجزه وقاله ابن المواز؛ وقال‏:‏ إن علم أنها خامسة بطلت صلاته، إلا أن يقول‏:‏ كنت أسقطت سجدة من الأولى إلا أن يخالفه من خلفه‏.‏

فرع مرتب إذا قام إلى خامسة بعد التشهد بعد الرابعة، رجع وتشهد؛ وألا يتخرج على الروايتين في التشهد لسجود السهو قبل السلام‏.‏ قال ويمكن الفرق بأن السهو يلغي ويتصل الجلوس بالتشهد، بخلاف سجود السهو فإنه مشروع، وهو الظاهر عند الشافعية‏.‏

الثالث‏:‏ لو صلى المغرب أربعا سهوا، أجزأت ويسجد بعد السلام، وعند قتادة وألأوزاعي يضيف إليها أخرى ويسجد، لنا أنه - عليه السلام - صلى الظهر خمسا الحديث المتقدم، فلو صلاها خمسا سهوا، أجزته عند أشهب ويسجد، وقال ابن نافع‏:‏ عليه الإعادة، وقال ابن الماجشون‏:‏ لا أقول يبطلها مثل نصفها سهوا كما قيل، بل ركعتان يبطلأنها؛ لأن كثير الفساد يبطل - كالغرر في البيع‏.‏

الرابع، قال ابن القاسم في الكتاب‏:‏ إذا أكل أو شرب ساهيا، سجد؛ وقد تقدم إبطالهما للصلاة؛ لشدة منافاتهما للصلاة‏.‏

الخامس‏:‏ إذا تفكر في إتمام صلاته ثم يتيقن فلا سهو عليه، قال صاحب الطراز‏:‏ إن تفكر قائما أو جالسا أو ساجدا فلا سجود اتفاقا؛ لأن زيادة اللبث في هذه المواطن لا يبطل عمده؛ وأما بين السجدتين إن طال - قال ابن القاسم‏:‏ لا سجود، وقال أشهب‏:‏ يسجد كان جالسا بينهما مستوفرا على قدميه أو ركبيته‏.‏

السادس‏:‏ قال في الكتاب‏:‏ إذا صلى النافلة ثلاثا شفعها وسجد قبل السلام، قال صاحب الطراز‏:‏ إن حمل على أنه لم يجلس بعد اثنتين فلنقصان الجلسة، وقيل‏:‏ لنقص السلام؛ وعلى هذا لا فرق بين الجلوس وعدمه‏.‏ ويرد على هذا التعليل‏:‏ إن قام إلى خامسة، فقد أخل بالسلام من موضعه - ساهيا مع أنه يسجد بعد السلام؛ قال ابن القاسم‏:‏ ولو قام إلى خامسة في النافلة، رجع ولا يكملها سادسة ويسجد بعد السلام؛ لأن الذي عليه الجادة من العلماء في النافلة عدم الزيادة على أربع‏.‏ فلو صلى الفجر ثلاثا، قال اختلف في بطلانه، والفرق أن الفجر محدود بالاتفاق، فزيادة نصفه تبطله؛ وإذا قلنا‏:‏ لا تبطله؛ فصلاته أربعا استحب مالك الإعادة خلافا لمطرف، قال اللخمي‏:‏ إذا قام في النافلة إلى ثالثة ساهيا، رجع فجلس؛ وكذلك إن ذكر وهو راكع، وبه أخد ابن القاسم وقال ايضا‏:‏ يتمها أربعا‏.‏

الفصل الثالث‏:‏ في نقصان الأقوال

وفيه ثمانية فروع‏:‏

الأول‏:‏ تكبيرة الإحرام، وقد تقدم الكلام عليها في الأركان‏.‏

الثاني، قال صاحب الطراز‏:‏ لو ذكر قبل الركوع أنه سها عن الفاتحة، قرأها ويعيد السورة على مذهب الكتاب و‏(‏ش‏)‏، وقال في المجموعة لا يعيدها لحصولها قبل، والترتيب من باب الفضيلة؛ وأما المستنكح فلا يعيدها؛ وحيث قلنا بالإعادة فلا يسجد عند مالك و‏(‏ش‏)‏؛ لأن زيادة القراءة مشروعة لا يبطل الصلاة عمدها خلافا لسحنون؛ فإن لم يذكر حتى ركع ورفع أو سجد سجدة، فأربعة أقوال‏:‏ روى ابن القاسم يرفع فيقرأ ويسجد بعد السلام؛ بناء على إلغاء الركعة، ويفعل ذلك ويعيد الصلاة عند سحنون احتياطا؛ لأن من يقول لا يجزيه سجود السهو يبطل الصلاة ويقطع بسلام - قاله ابن القاسم، يبني على الصحة ويتمادى ويسجد قبل السلام - قاله ابن الماجشون؛ فإن ذكر بعد السجدتين، فأربعة أقوال‏:‏ يضيف لهذه الركعة أخرى ويسلم بعد إن يسجد قبل السلام - قاله ابن القاسم، ويتمادى ويسجد قبل السلام ويفعل ذلك، ثم يعيد ويلغي الركعة ويجعل الثالثة ثانية في القراءة والجلوس، ويسجد بعد السلام، وكذلك الحكم إن ذكر في الثانية؛ فإن ذكر وهو راكع في الثالثة أنه أسقطها من إحدى الأوليين فخمسة أقوال‏:‏ يتمادى ويسجد قبل السلام، ويفعل ذلك ويعيد الصلاة؛ ويجعل الثالثة ثانية ويجلس ويكمل، ويسجد قبل السلام لترك السورة من هذه الثانية؛ ويتمادى على صلاته ويقضي ركعة بالحمد وسورة، ويسجد بعد السلام؛ ويرجع إلى الجلوس ويسجد ويسلم يجعلها نافلة - قاله ابن القاسم؛ فإن لم يذكر حتى رفع من الثالثة أو في الرابعة أو التشهد، فأربعة أقوال‏:‏ يسجد قبل السلام - قاله ابن القاسم؛ قال ابن حبيب‏:‏ ولم يختلف في ذلك أصحاب مالك، ويفعل ذلك ويعيد الصلاة - قال وهو ظاهر المذهب؛ وقد قال ابن القاسم في الكتاب‏:‏ كان مالك يحب أن يعيد إذا ترك القراءة من ركعة واحدة في خاصة نفسه من أي الصلوات كانت، ثم قال أرجو إن يجزئه سجود السهو وما هو بالبين؛ ويأتي بركعة بالحمد فقط بناء على الإلغاء وجعل الثالثة ثانية، ويسجد قبل السلام لترك الجلوس وهو المعروف من المذهب على القول بالإلغاء؛ ويأتي بركعة بالحمد وسورة، ويسجد بعد السلام بناء على القضاء في الركعة؛ ولو ترك القراءة في الثانية ولم يذكر حتى ركع؛ ففيها الأقوال التي في الأولى إلا قول ابن القاسم، فإنه قال هاهنا يتمادى؛ بخلاف الأولى لقوله العمل هاهنا بالكثرة، ولا فرق عنده في الثانية بين أن يذكر ذلك في ركوعها أو سجودها أو قبل ركوع الثالثة، فإنه يتشهد ويجعلها نافلة؛ فلو ترك القراءة من الأخيرتين، كان كالترك من الأوليين؛ ولو ترك في ركعة من الأخيرة، فثلاثة أقوال‏:‏ يسجد ويعيد، يسجد فقط، يأتي بركعة ويسجد بعد السلام‏.‏

سؤال‏:‏ قال ابن القاسم في القراءة لا يتمادى، وفيمن نسي تكبيرة الإحرام وكبر للركوع، يتمادى مع الإمام والكل مختلف فيه‏.‏

جوابه‏:‏ أنه احتياط في الصورتين، أما في القراءة فلأن البناء على الصحة أحوط؛ فإن كل قائل يقول ببطلان الصلاة باعتبار السجود أو باعتبار زيادة ركعة، أو باعتبار ترك المجموع، بخلاف الإحرام‏.‏

فرع‏:‏

لو ترك آية من الفاتحة، ففي الجواهر قال القاضي‏:‏ اسماعيل على المذهب‏:‏ يسجد قبل السلام، وقيل‏:‏ لا يسجد‏.‏

الثالث، قال ابن القاسم في الكتاب‏:‏ إذا تعمد ترك السورة في الأوليين يستغفر‏.‏

الله ولا سجود عليه، وهو قول ‏(‏ح ش‏)‏؛ لما في مسلم من قرأ أم القرآن أجزت عنه، ومن زاد فهو أفضل‏.‏ وفي الجلاب يسجد قبل السلام، ويجزيه ويعيد الصلاة أبدا وهو قول عيسى في العمد والجهل؛ فرأى ابن القاسم أن السجود إنما شرع لوصف السهو لقوله - عليه السلام -‏:‏ لكل سهو سجدتان - فلا يسجد - للعمد‏.‏ ورأى غيره أنه يشرع لجبر الخلل، وهو مشروع في الحالتين؛ قال صاحب الطراز‏:‏ فلو ترك بعض السورة فلا سجود اتفاقا، وفي الكتاب لا يقضي قراءة ركعة في ركعة‏.‏

الرابع في الكتاب‏:‏ إذا سها عن التشهد أو التشهدين، سجد - إن ذكر‏.‏ وإلا فلا شيء عليه‏.‏ قال صاحب الطراز‏:‏ إن ذكر قبل السلام تشهدا أو بعده - وهو قريب - رجع إلى الصلاة بإحرام قولان، ويسجد بعد السلام‏.‏ والتشهد عند مالك أخف من غيره، فإن كان مأموما وذكر قبل سلامه وبعد سلام إمامه - وقيامه؛ قال ابن القاسم‏:‏ يتشهد ويسلم، فإن قام إمامه، فلا يتشهد ولا شيء عليه‏.‏

تنبيه‏:‏

كيف يقول في الكتاب‏:‏ إن سها عن التشهدين سجد قبل السلام مع أنه إنما يتحقق سهوه عن التشهد الأخير - إذا سلم‏؟‏ فإن قيل‏:‏ السلام كله مكمل للتشهد، فتصوره مشكل جدا، وكذلك قول صاحب الجلاب‏:‏ ووجوب سجود‏.‏

السهو عن فعل كترك الجلسة الوسطى وما أشبهها، وليس في الصلاة شيء يشبه الجلسة الوسطى من الأفعال في إيجاب السجود، والجواب يتصور ذلك في ثلاث مسائل‏:‏ في الراعف المسبوق بركعة خلف الإمام، والمقيم المسبوق يصلي خلف مسافر، والمقيم يصلي صلاة الخوف - خلف إمام مسافر فيجتمع لهؤلاء المسبوقين القضاء وهو ما فاتهم قبل الإحرام والبناء - وهو ما فاتهم بالرعاف؛ ومذهب ابن القاسم تقديم البناء، فيأتون بركعة ويجلسون لأنها ثانيتهم، وبأخرى ويجلسون لأنها رابعة إمامهم، وبأخرى ويجلسون، لأنها آخر صلاتهم، فإذا سهوا عن جلستين من هذه الجلسات، تصورت هذه المسائل في السهو‏.‏

الخامس في الكتاب‏:‏ إذا سها عن أكثر من تكبيرتين سجد، وإلا فلا‏.‏ وفي الجلاب عن ابن القاسم يسجد‏.‏ ومنشأ الخلاف‏:‏ النظر إلى أن التكبير كلمتان فتخف الواحدة منهما، أو إلى كونها مشروعة محدودة فيسجد‏.‏

السادس قال في الكتاب‏:‏ إذا أبدل سمع الله لمن حمده بالتكبير أو بالعكس يرجع إلى المشروع، وإلا سجد قبل السلام؛ وإن نسي واحدة منهما، فذلك خفيف؛ قال صاحب الطراز‏:‏ معناه ترك موضعين وأبدلهما، فلم يثبت البدل لعدم مشروعيته؛ فإن أبدل موضعا واحدا، فالمروي لا شيء عليه، ويتخرج على القول بالسجود للتكبيرة الواحدة السجود؛ ولو رجع إلى التحميد، والتكبير فظاهر الكتاب لا شيء عليه؛ وقيل‏:‏ يسجد بعد الزيادة - وهو يظهر على قول ابن الماجشون - أن الذكر في غير محله زيادة، فيراعى زيادة اثنتين، كما يراعى نقصانهما؛ قال‏:‏ ومن يراعي نقصان تكبيرة، أمكن إن يراعي زيادتها بطريق الأولى لإنفصال سجود الزيادة عن الصلاة؛ قال والمذهب‏:‏ لا سجود لزيادة التكبير والتحميد؛ لأنه لا تبطل الصلاة عنده؛ فإن فات المحل، قال بعض الشيوخ‏:‏ إن حمد لانحطاطه وكبر لرفعه، يأتي بتكبير ينوي به الخفض، وتحميد ينوي به الرفع؛ وخالفه كثير من الشيوخ لأجل الفوت‏.‏ وأما قوله‏:‏ يسجد قبل السلام؛ فقال ابن عبد الحكم‏:‏ يعيد خوف الزيادة في الصلاة بالسجود قبل‏.‏

السابع قال صاحب الطراز‏:‏ لو أسر فيما يجهر فيه، سجد قبل السلام؛ إلا أن تكون الآية ونحوها خلافا ‏(‏ح ش‏)‏‏.‏ لنا قوله - عليه السلام - لكل سهو سجدتان‏.‏ فلو كثر ذلك فأعاد القراءة جهرا، فروى أشهب لا سجود عليه؛ وروي عن ابن القاسم قبل لترتب السجود عليه أولا؛ وروي عن مالك أنه يسجد إذا اسر بعد جهر من الزيادة في الصلاة، فالسجود لقوة الاختلاف في ذلك‏.‏

الثامن قال ابن القاسم في الكتاب‏:‏ إذا شك‏:‏ هل سلم أم لا‏؟‏ يسلم ولا سجود عليه‏.‏ قال صاحب الطراز‏:‏ فلو سها عن السلام ولم يعتقد أنه سلم وطال الجلوس جدا، ثم ذكر فسلم؛ فظاهر المذهب لا سجود؛ وفي كتاب ابن سحنون يسجد لزيادة الطول، فإن اعتقد أنه سلم، ثم ذكر وهو باق في موضعه - لم ينحرف عن القبلة - ولم يحدث ما ينافي الصلاة، سلم ولا شيء عليه؛ فإن تحول عن القبلة وهو قريب استقبلها بغير إحرام وسلم من غير تشهد ويسجد بعد لزيادة التحول؛ وإن تباعدا أو أحدث، ابتدأ صلاته؛ ويختلف في السجود إذا تغير عن هيئته، وفي الإحرام كما إذا قام؛ وإذا قلنا يكبر إذا قام، قال مالك‏:‏ يكبر ثم يجلس؛ لأن مشروعيه الإحرام في القيام، وقال ابن القاسم‏:‏ يجلس ويكبر ويتشهد ويسلم ويسجد بعد السلام؛ ليتصل التكبير بالحالة التي فارق فيها؛ فإن أحرم بنافلة، رجع إن لم يركع على المشهور، كما يرجع للسجود قبل أن يركع، ولمالك تبطل صلاته؛ لأن إحرام النافلة يبطل إلا بسلام - وهو مبطل للفريضة؛ فإذا قلنا يرجع فلم يذكر حتى ركع، قال ابن القاسم‏:‏ يرجع؛ وقال سحنون‏:‏ لا يرجع، والمشهور الرجوع إذا خرج من المكتوبة إلى النافلة - ولو صلى ركعتين‏.‏

الفصل الرابع‏:‏ في زيادة الأقوال

وفيه فروع أربعة‏:‏

الأول في الكتاب‏:‏ من قرأ السورة في الأخيرتين لا سجود عليه؛ لأن الخلاف في مشروعيتها في الأخيرتين لابن عمر وابن عبد الحكم و‏(‏ش‏)‏، وفي الجلاب عن أشهب يسجد‏.‏

الثاني في الكتاب‏:‏ من تكلم ناسيا سجد بعد - وقاله ‏(‏ش‏)‏، وقال ‏(‏ح‏)‏‏.‏

الكلام سهو يبطل، ومسلم أن السلام في أثنائها سهوا لا يبطل؛ لنا القياس عليه، وحديث ذي اليدين، ولأن كل ما يبطل عمده، يوجب السجود سهوه‏.‏

الثالث‏:‏ إذا جهر فيما يسر فيه سجد بعد، في البيان‏:‏ ولا خلاف أحفظه في أنه سجد بعد السلام، والفرق بين هذا والعكس إن فعل ما تركه سنة أشد من ترك ما فعله سنة - لفعله - عليه السلام –‏:‏ إذا نهيتكم عن شيء فانتهوا عنه، وإن أمرتكم بشيء فائتوا منه ما استطعتم‏.‏ إلا أن تكون الآية ونحوها خلافا ‏(‏ح ش‏)‏‏.‏ لنا قوله - عليه السلام -‏:‏ لكل سهو سجدتان، وفي الصحيحين‏:‏ كان - عليه السلام - يسمعنا الآية أحيانا، قال صاحب الطراز‏:‏ وقيل‏:‏ يسجد قبل السلام - لنقصه السنة، فلو تعمد ترك الإسرار أو الجهر، فأربعة أقوال‏:‏ لا سجود عند ابن القاسم؛ لفقدان سببه الذي هو السهو عنده، والسجود لوجود الخلل؛ والسجود جائز وتبطل الصلاة للاستهزاء، وهذه جارية في كل سنة تعمد تركها؛ وتبطل الصلاة بالجهر كزيادة الكلام؛ ولا تبطل بالسر؛ لأنه نقص وما زاد‏.‏

الرابع‏:‏ قال في الكتاب‏:‏ إذا سلم من اثنتين ساهيا فسبحوا به فلم يفقه، فقال له أحد المأمومين‏:‏ سهوت؛ فسألهم، فقالوا‏:‏ نعم؛ فإنه يتمم بهم، لما في الصحيحين أنه - عليه السلام - صلى إحدى صلاتي العشاء إما الظهر أو العصر فسلم من ركعتين، ثم أتى جذعا في قبلة المسجد فاستند إليه كهيئة الغضبان‏.‏

وفي القوم أبو بكر وعمر، فهابا إن يتكلما، فخرج سرعان الناس فقالوا‏:‏ أقصرت الصلاة‏؟‏ فقام ذو اليدين فقال‏:‏ يا رسول الله، أقصرت الصلاة أم نسيت‏؟‏ فنظر النبي - عليه السلام - يمينا وشمالا، فقال احقا ما يقول ذو اليدين‏؟‏ فقالوا‏:‏ صدق - ولم تصل إلا ركعيتن؛ فصلى ركعتين ثم سلم ثم سجد‏.‏ والمشهور التسوية بين الاثنتين وغيرهما، وقال سحنون‏:‏ ذلك خاص بالاثنتين قصرا للحديث على مورده لمخالفة الأصول‏.‏

وجوابه‏:‏ أنه معلل باصلاح الصلاة فيتعدى، وحيث قلنا بالكلام، ففي الجواهر ما لم يكثر، وقيل‏:‏ يبنى وإن كثر‏؟‏ قال صاحب المنتقى‏:‏ وكراهة الكلام للمأموم في هذا عن ابن وهب وابن نافع، فإن فعل، فلا أعادة، والإعادة أبدا عن ابن كنانة، وجعل الحديث خاصا بصدر الإسلام - وقاله ‏(‏ح ش‏)‏ وليس كذلك؛ لأن إباحة الكلام في الصلاة نسخت قبل خروج - ابن مسعود من الحبشة، وراوي هذا الحديث أبو هريرة وهو متأخر الإسلام‏.‏

سؤالان

الأول‏:‏ كان - عليه السلام - يعتقد إتمام الصلاة، والقوم يعتقدون النسخ ويجوزونه؛ فلذلك تكلموا بخلاف صورة النزاع‏.‏

الثاني‏:‏ روى في الحديث‏:‏ ما قصرت الصلاة ولا نسيت، ويروى‏:‏ كل ذلك لم يكن، والخلف منه - عليه السلام - محال‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أنهم تكلموا بعد العلم بعدم النسخ بقوله كل ذلك لم يكن‏.‏

وعن الثاني‏:‏ أنه فعل ذلك - عليه السلام - قصدا أذن له فيه للتعليم، فالكلام صدق؛ وقوله - عليه السلام -‏:‏ أحقا ما يقول للتثبت على القضية، أو هو إخبار عن اعتقاد، وهو كذلك فلا خلاف‏.‏

فرع‏:‏

فلو كان الإمام يعتقد الإتمام، قال صاحب الطراز‏:‏ لمالك قولان‏:‏ يرجع، وقيل‏:‏ يرجع إن كثروا وفي الاثنتين والثلاث لا يرجع، وجه الأول‏:‏ أن يقينه يضطرب، وجه الثاني‏:‏ ترجيح اليقين على غيره؛ وحيث قلنا يرجع، ففي الجواهر يرجع بإحرام، ثم يكبر تكبيرة القيام للثالثة، وقال بعض المتأخرين‏:‏ ليس ذلك عليه إن كان جالسا في مقامه، وإنما يفتقر للإحرام لو قام بعد سلامه، أو فعل ما يوجب حاجته للإحرام؛ واعترضه أبو الوليد بأن الموجب للإحرام هو السلام وغيره، وإذا قلنا يحرم منها قائما كالإحرام الأول قاله بعض المتقدمين، أو جالسا لأنها الحالة التي فارق فيها الصلاة قاله ابن شبلون؛ وإذا قلنا يحرم قائما جلس بعد ذلك عند ابن القاسم ليأتي بالنهضة؛ وروى ابن نافع لا يجلس؛ لأن النهضة غير مقصودة وقد فات محلها‏.‏ قال صاحب المقدمات‏:‏ إن سلم ساهيا قبل إتمام صلاته لم يخرج من صلاته بذلك إجماعا، ويتمها ويسجد إن كان فذا أو إماما؛ وإن سلم شاكا في إتمام صلاته، لم يصح رجوعه إلى تمامها؛ فإن تيقن بعد سلامة تمامها، أجزأته عند ابن حبيب لبيان الصحة، وقيل‏:‏ فاسدة، وهو الأظهر؛ وإن سلم قاصدا للتحليل معتقدا تمامها، ثم شك أو تيقن بعد سلامه، رجع لإصلاحها؛ وهل يرجع بإحرام قولان مبنيان على أن السلام سهوا هل يخرج من الصلاة فلا يدخل إلا بإحرام - قاله ابن القاسم ومالك، أو لا يخرج من الصلاة فلا يحتاج إلى إحرام - قاله أشهب وعبد الملك ومحمد؛ وعلى الأول قال ابن القاسم‏:‏ يكبر ثم يجلس ثم يبني، قال‏:‏ والصواب يجلس ثم يكبر ثم يبني؛ لئلا يزيد الانحطاط بين القيام؛ وعلى القول بأن السلام يخرج، يرجع إلى موضع المفارقة؛ فإن سلم من اثنتين، رجع للجلوس أو من غيرها فذكر قائما - رجع إلى حال رفع رأسه من السجود ولا يجلس؛ لأنه ليس موضع جلوس‏.‏

الفصل الخامس‏:‏ في الشك

وفيه فروع خمسة‏:‏

الأول في الجواهر‏:‏ لو شك في ركن وجب عليه الإتيان به إلا أن يكون موسوسا‏.‏

الثاني‏:‏ قال صاحب الطراز‏:‏ لو شك الإمام بعد سلامه، قال ابن حبيب‏:‏ يبني على يقينه؛ فإن سأل من خلفه فأخبروه، فقد أحسن ويتم بهم، فلو شك في التشهد، فالمذهب يبني على يقينه ولا يسألهم، قال ابن حبيب‏:‏ فإن سأل، استأنف الصلاة؛ وكذلك لو سلم على شك وسألهم قاله ابن القاسم وأشهب؛ وقال ابن الماجشون‏:‏ يجزيه، وقال ابن عبد الحكم‏:‏ يسألهم وإن لم يسلم، وجه الأول‏:‏ إن الشاك مأمور بالبناء على اليقين، فتعمد الكلام يبطل‏.‏ وجه الثاني‏:‏ أنه سلام لو قارنه اعتقاد الإتمام كملت الصلاة - وأولى الشك‏.‏

الثالث‏:‏ قال‏:‏ لو شك المأموم في التشهد الأخير في ركوع الأولى، قال ابن القاسم‏:‏ يسلم معه ولا يأتي بركعة حذرا من الخامسة ويعيد الصلاة؛ وقال مالك‏:‏ يتم على اليقين ويسجد بعد السلام‏.‏

الرابع‏:‏ قال اللخمي لو شك الإمام ومن خلفه، فأخبرهم عدلان رجعوا إليهما؛ وفي العدل قولان مبنيان على أن هذا من باب الخبر أو الشهادة‏.‏

سؤال‏:‏ لنا ما يكفي فيه الخبر اتفاقا كالفتيا والرواية، وما لا يكفي فيه الخبر اتفاقا كالحدود والدعاوي؛ ولنا ما اختلف فيه بما ضابط الأولين - حتى ترد إليهما فروعهما، ويقضى على الخلاف بالوفاق‏.‏

جوابه‏:‏ ذكر المازري في شرح البرهان‏:‏ أن الأحكام منها عام للبشر فهو موطن الخبر؛ إذ لا باعث على عداوة الجميع فيستظهر بالعدد؛ وخاص بمعين كالدعاوي، فهو موطن الشهادة لاحتمال العداوة؛ ومتردد بين الخصوص والعموم كاثبات هلال رمضان، فإنه عام بالقياس إلى البلد؛ وخاص بالقياس إلى أنه لا يتناول غيرهم ولا زمانا آخر، فاختلف الناس‏:‏ أي الثنائيتين تغلب‏؟‏ وكذلك هاهنا لا أثر للعداوة على تقدير التقليد، فإن الذمة تبرأ فيقبل الخبر، أو يلاحظ الخصوص فيحتاج إلى الشهادة‏.‏

الخامس‏:‏ قال صاحب المقدمات‏:‏ لا يفارق الشك اليقين في الصلاة إلا في موضعين‏:‏ إذا شك في الزيادة الكثيرة أجزأه السجود اتفاقا، بخلاف تيقنها؛ وإذا كثر الشك لهي عنه، ولمالك في السجود قولان؛ وقال ابن المواز‏:‏ ليس ذلك باختلاف، بل السجود على من أعرض عن الشك وعدمه عمن أصلح، والأظهر أنه اختلاف‏.‏

الفصل السادس‏:‏ في سجدتي السهو

وفيه فروع سبعة‏:‏

الأول‏:‏ قال في الكتاب‏:‏ إذا سها عن السجود الذي قبل السلام، سجد إن كان قريبا، وإلا استأنف الصلاة‏.‏ قال صاحب الإشراف‏:‏ مقتضى المذهب وجوب السجود للنقصان، قال صاحب الطراز‏:‏ قال عبد الملك و‏(‏ش‏)‏‏:‏ لا تفسد الصلاة - بتركها، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ هما واجبتان وليستا شرطا في الصلاة‏.‏ لنا ما في مسلم قال ابن مسعود‏:‏ صلينا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فإما زاد أو نقص، فقلنا‏:‏ يا رسول الله، أحدث في الصلاة شيء‏؟‏ فقال‏:‏ وما ذاك‏؟‏ فقلنا له‏:‏ الذي صدر، فقال‏:‏ إذا زاد الرجل أو نقص فليسجد سجدتين - والأمر للوجوب، وكل ما يجب داخل الصلاة بطلت لأجل عدمه؛ حجة ‏(‏ش‏)‏‏:‏ أنه فرع عن ترك السنة، والفرع لا يزيد على الأصل‏.‏

جوابه‏:‏ أنه ليس من شرط سبب الوجوب أن يكون مشروعا فضلا عن الوجوب، بل يكون حراما كالجنايات مع العقوبات، ومباحا كشراء الرقيق مع النفقات، ومندوبا كالنكاح مع سد الخلات من الزوجات‏.‏

تفريع‏:‏

إذا قلنا‏:‏ إن الصلاة تجزئ بدونه وذكره بالقرب، سجد - تكلم أو لم يتكلم - قاله ‏(‏ش‏)‏، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ إن تكلم بعد السلام لم يسجد، وقال الحسن وابن سيرين‏:‏ إن صرف وجهه عن القبلة لم يسجد؛ لنا الأحاديث المتقدمة‏.‏ وإن ذكره بعد الطول، ففي الكتاب إن كان عن ثلاث أو أكثر من سمع الله لمن حمده أو التكبير، حتى إذا طال كلامه أو قام فأكثر، بطلت صلاته؛ قال صاحب الطراز إذا طال‏:‏ ستة أقوال‏:‏

الأول ما في الكتاب؛ لأن الخلل إذا كثر أفسد كالغرر في البيع، فيستحب السجود لاثنتين ويجب لثلاث، ولا تبطل مطلقا لعبد الملك بناء على أنه سنة، وتبطل مطلقا في الأقوال، والأفعال، والقليل، والكثير - لمالك، لمشروعيته قبل السلام، ووجوبه فتبطل الصلاة للطول كالأركان، ويسجد إلا أن ينتقض وضوؤه فتبطل لأشهب، لمشابهة الصلاة الطهارة في إبطال الحدث لهما، فلا تجب الموالاة فيهما مع السهو، ويمنع الحدث البناء فيهما، ويسجد مطلقا كسجود الزيادة، وتبطل إن وجب عن الأفعال إن طال أو أحدث، بخلاف الأقوال، وهل يسقط السجود إن طال مع الأقوال أم لا قولان؛ لأن الفعل متفق على السجود له، ولا يحمل الإمام مفروضه فيتأكد، وقول سابع في الجواهر‏:‏ تبطل الصلاة إن كان عن الجلسة الوسطى أو الفاتحة وركعة‏.‏

فرع‏:‏

قال مالك في الموازية‏:‏ إن ذكرهما بالقرب يحرم لهما، ويسجدهما في موضع ذكره، إلا في الجمعة لا يسجدهما إلا في المسجد، وكذلك السلام وغيره؛ فإن فعل ذلك في غير المسجد لا تجزيه الجمعة، وقد تقدم في الرعاف خلاف ابن شعبان في ذلك‏.‏

الثاني في الكتاب‏:‏ يأتي بالسجود الذي بعد السلام ولو بعد شهر؛ لأن الصلاة قد تمت وهو قربة منفصلة عنها‏.‏ وظاهر كلامه جواز على ذلك عند طلوع الشمس وعند غروبها، وقد قال في الموازية‏:‏ فإن كان عن نافلة، قال صاحب النكت عن بعض الشيوخ‏:‏ لا يأتي به في وقت تمنع فيه النافلة، قال صاحب الطراز‏:‏ وظاهر الكتاب التسوية؛ لأنه واجب مفارق للنوافل‏.‏

الثالث في الجواهر‏:‏ الإمام يحمل عن المأموم سجود السهو؛ لما في الدارقطني‏:‏ قال - عليه السلام -‏:‏ ليس على من خلف الإمام سهو، فإن سها الإمام فعليه وعلى من خلفه، ويلزم المسبوق أن يسجد مع الإمام إن كان قبل السلام وعقد معه ركعة، كما يتبعه في سجود التلاوة؛ فإن لم يعقد ركعة لم يتبعه عن ابن القاسم؛ لأنه لم يدرك صلاته، وقال سحنون‏:‏ يتبعه كالتشهد، وفي الكتاب‏:‏ لا يسجد معه قبل ولا بعد ولا يقضيه‏.‏ قال صاحب الطراز‏:‏ فلو سها المأموم قبل سلام الإمام حمله؛ لأنه مأموم حينئذ، فلو سها الإمام في الجلسة الآخيرة لم يسجد معه، ولو سهيا جميعا فيها فيحتمل عدم سجود المأموم، لكونه في غير صلاة نفسه، والسجود لكونه سهوا وقع في إحرامه مضافا لموافقة الإمام، فإن أدرك ولم يسجد الإمام سجد المأموم، وقاله ‏(‏ش‏)‏، كما لو سلم الإمام من ثلاث، فإن المأموم يكمل، وخالف ‏(‏ح‏)‏ محتجا بأنه لم يسه، وإنما كان يسجد تبعا لا متبوعا فلا سجود‏.‏

وجوابه‏:‏ منع الحصر، وإذا قلنا يسجد فقد خيره مالك، واستحب له ابن القاسم الانتظار، وحتمه عليه ابن الماجشون؛ فلو سجد معه لم يجزه، ويعيده بعد السلام عند ابن القاسم استحبابا - جاهلا كان أو عامدا؛ فلو أخر السجود فسها هو في قضاء زيادة، أجزأه سجدتان اتفاقا؛ أو نقصانا سجدتان عند ابن القاسم قبل السلام تغليبا للنقص، وبعده عند ابن الماجشون تغليبا لحكم الإمام؛ فلو استخلف الإمام هذا المسبوق فسها في القضاء نقصا فالقولان، ولو سها فيما استخلفه نقصا فسجدتان قبل السلام عند ابن القاسم، وقال أيضا‏:‏ يعد تغليبا لحكم الإمام الأول، وفي الجواهر‏:‏ إن ترك الإمام سجودا بعد السلام، سجده المأموم، وإن كان قبل، قال في الكتاب‏:‏ يسجد معه ويجزيه، وقال أشهب‏:‏ لا يسجد حتى يقضي، فإن سجد معه ثم سها في قضائه سجد عند ابن القاسم أيضا، وقال ابن الماجشون‏:‏ لا يسجد، لو استخلف سجد بهم عند ابن القاسم قبل القضاء، وعند أشهب بعده؛ فإن آخر الإمام السجود قبل السلام بعده، ففي الكتاب سجد المأموم معه‏.‏

سؤال‏:‏ السجود واجب فيكون السلام قبله سلاما في أثناء الصلاة فيمتنع موافقة الإمام فيه، كالمقيم إذا ائتم بمسافر وكالمسبوق؛ فكان ينبغي أن يسجد معه بغير سلام‏.‏

جوابه‏:‏ مخالفة الإمام ممنوعة، والمقيم المسبوق لم يخالف الإمام، فإنه لما سلم خرج من الإمامة معهم بفعلهم، وتركهم حالة الانفراد، وههنا لو ترك السلام مع أنه متبع له في السجود كان مخالفا له - مع بقاء حكمه‏.‏

تفريع‏:‏

لو لم يسلم معه وسجد، قال صاحب الطراز‏:‏ الظاهر الإجزاء؛ لأن الإمام هو المخطن في تأخير السجود، ولو شرع في السجود حالة سلام الإمام - ولم يتبعه فيه فقد أساء ويجزيه؛ لأن سجود الإمام لم يقع في الصلاة فلم يخالفه‏.‏

الرابع في الكتاب‏:‏ إن أحدث فيهما أعادهما، خلافا ‏(‏ح‏)‏؛ قال صاحب الطراز‏:‏ وقال أشهب‏:‏ إن توضأ وكملهما أجزأه، فلو أحدث الإمام بعد سجدة، قال أشهب‏:‏ لمن خلفه أن يكملهما، وابتداؤهما أحسن‏.‏

الخامس في الكتاب‏:‏ إذا لم يدر أسجد اثنتين أم لا‏؟‏ سجد أخرى، ولا يسجد لسهوه؛ لأنه إذا لم يكمل سجوده تداخل السهو على القاعدة، قال صاحب الطراز‏:‏ فلو سجد قبل السلام وسها فتكلم قبل أن يسلم، قال ابن حبيب‏:‏ يسجد لسهوه بعد السلام، وعلى قول ابن الماجشون يسجد ثم يسهو إلا يسجد فلا يسجد هاهنا، فلو ذكر أنه نقص من صلاته فسجد، واحدة ثم تذكر؛ فلا يسجد الأخرى، ويسجد بعد السلام، وكذلك لو سجدهما؛ فلو شك‏:‏ هل سجدهما لفرضه أو لسهوه؛ ففي الموازية عليه أربع سجدات‏.‏

السادس في الكتاب‏:‏ إذا ذكر سجودا بعد السلام في نافلة أو مكتوبة لا يفسدها بخلاف ما قبل السلام؛ لشدة تعلقه بالصلاة، قال صاحب الطراز‏:‏ وعلى القول بأنهما لا يبطلان الصلاة مع الطول لا يقطع، وعلى الأول‏:‏ يرجع إلى السهو من غير قطع ما هو فيه بسلام أو كلام عند ابن القاسم، كما لو ذكر السجود خارج الصلاة يرجع لحينه من غير كلام؛ فإن طالت القراءة في الحاضرة؛ بطلت الأولى، وكذلك إذا لم تطل القراءة وركع مراعاة للطول، وهل يعتبر في الركوع الرفع بخلاف المعروف؛ وإذا بطلت الأولى، وهو في نافلة كملها أو في فريضة، ففي الكتاب إن صلى ركعة شفعها عند مالك؛ فإن ذكر سجود سهو نافلة في نافلة، ففي الكتاب‏:‏ إن كان سجود بعد السلام تمادى، أو قبله والوقت قريب لم يقطع، إلا أن يكون لم يركع فيرجع للسجود ثم لنافلته - إن شاء، قال صاحب الطراز‏:‏ لا يقضى الحاضرة لأنها فسدت بغير قصده، ولو ذكره في مكتوبة، قال مالك يتمادى - ركع أو لم يركع، خلافا لابن عبد الحكم؛ لأن الفرض لا يترك للنفل، وابن عبد الحكم يلاحظ وجوب النافلة بالشروع‏.‏

السابع‏:‏ كان مالك يقول‏:‏ يكبر للتين بعد السلام قياسا على سجود التلاوة، ورجع للإحرام قياسا على الصلوات، وتكفى تكبيرة واحدة للإحرام والدخول، وفي الجواهر يكبر للابتداء والرفع، ويتشهد للتين بعد السلام، وفي اللتين قبله روايتان، قال صاحب الطراز‏:‏ من اشترط الإحرام اشترط السلام؛ لأن الإحرام لابد له منه، ومن لا فلا، والكل مروي في الأحاديث، وهل يجهر به كالصلوات، أو يسره كالجنازة روايتان‏.‏ والله أعلم‏.‏

التاسع‏:‏ في الجمعة

وهي مشتقة من الجمع؛ للاجتماع الناس فيها؛ وكان اسمه في الجاهلية عروبة من الإعراب الذي هو التحسين لمكان تزين الناس فيه، ومنه وقوله تعالى‏:‏ عربا أترابا أي‏:‏ محسنات لبعولتهن، وقد جمع أسماء الأسبوع في الجاهلية الأولى على الترتيب مبتدئا بالأحد قول القائل‏:‏ اؤمل أن أعيش وإن يومي بأول أو بأهون أو جبار أو التالي دبار فإن يفتني فمؤنس أو عروبة أو شبار‏.‏

وهذا اليوم الذي أمرت الأمم بتعظيمه، فعدلوا عنه إلى السبت والأحد، وفي الموطأ قال - عليه السلام -‏:‏ خير يوم طلعت عليه الشمس‏:‏ يوم الجمعة؛ فيه خلق الله آدم، وفيه أهبط، وفيه تيب عليه، وفيه مات، وفيه تقوم الساعة، وما من دابة إلا، وهي مصيخة يوم الجمعة من حين يصبح حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة إلا الجن والإنس، وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم، وهو يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه‏.‏ وفيه قال كعب الأحبار، وعبد الله بن سلام‏:‏ هذه الساعة مذكورة في التوراة‏.‏

فوائد‏:‏ ذكر هذه الكائنات فيه في سياق تعظيمه يدل على عظمها وعظمه، أما عظمها فخلق آدم - عليه السلام - وهو المفضل على الملائكة ومبدأ نوع الإنسان، والأنبياء، والرسل - عليهم السلام -، وإن كانت أكثر ذريته من أهل الكفران ووقود النيران، إلا أن ذرة من الإيمان لا يعدلها شيء من الكفران، ولحظة من القرب يغتفر لها هجران الدهر، وأما التوبة عليه فسبب السعادة، ومبدأ السيادة، وأما قيام الساعة فهو المقصود بالرسائل، ونصب الوسائل، وفيه إكرام الأبرار، وخزي الفجار، وأما إصاخة الدواب وإشفاقها؛ فدليل إدراكها وهو مختلف فيه يحرر في غير هذا الموضع، وأما ساعة الإجابة ففيها أربعة أقوال‏:‏ قال صاحب القبس‏:‏ الصحيح أنها من حين جلوس الإمام إلى حين تقضي الصلاة، وهو في مسلم‏.‏ وفي أبي داود وحين تقام الصلاة إلى انصراف منها، وفي الترمذي التمسوها بعد العصر إلى غيوبة الشمس‏.‏ وقال عبد الله بن سلام‏:‏ هي آخر ساعة في النهار، وقيل‏:‏ غير مختصة، وبه يمكن الجمع بين الأقوال، وفي القبس هي الساعة التي تيب على آدم فيها، وقوله‏:‏ وهو قائم يصلي مع امتناع الصلاة على الأقوال الأول إما من مجاز التشبيه؛ لأن السامع للخطبة أو الجالس المنتظر لصلاة المغرب بمنزلة المصلي؛ أو من باب إطلاق لفظ المسبب على السبب، فإن انتظار الصلاة سبب لإيقاعها، ولذلك، قال - عليه السلام -‏:‏ من جلس مجلسا ينتظر الصلاة، فهو في صلاة حتى يصلي‏.‏

تنبيه‏:‏

لما كانت القلوب تصدأ بالغفلات والخطيئات كما يصدأ الحديد، اقتضت الحكمة الإلهية جلاءها في كل أسبوع بمواعظ الخطباء، وأمر بالاجتماع ليتعظ الغني بالفقير، والقوي بالضعيف، والصالح بالطالح، ولذلك أمر باجتماع أهل الآفاق في الحجيج مرة في العمر، لئلا يشق عليهم، بخلاف أهل البلد‏.‏

فرع‏:‏

وفي الكتاب‏:‏ كره تخصيصه بترك العمل تشبيها بأهل الكتاب في السبت والأحد، وفي الجواهر صلاة الجمعة فرض على الأعيان؛ لقوله تعالى‏:‏ إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله - والأمر للوجوب، وقال بعض أهل العلم‏:‏ على الكفاية، ومنشأ الخلاف‏:‏ هل المقصود إصلاح القلوب بالمواعظ والخشوع فيعم، أو إظهار الشعائر وهو حاصل بالبعض فيخص‏؟‏‏.‏

تمهيد‏:‏

يحكي جماعة من الأصحاب الخلاف‏:‏ هل الجمعة بدل من الظهر أم لا‏؟‏ وأنت تعلم أن البدل لا يفعل إلا عند تعذر المبدل، والجمعة يتعين فعلها مع إمكان الظهر فهو مشكل؛ والحق إن يقال‏:‏ أنها بدل من الظهر في المشروعية، والظهر بدل منها في الفعل، والمذهب‏:‏ أنها واجب مستقل بناء على ما ذكرناه، وقال الحنفية‏:‏ الواجب الظهر، ويجب إسقاطه بالجمعة، وهو كلام غير معقول؛ فإن الواجب ما لا يجوز تركه، وهذا يجب تركه؛ فالجمع بينهما متناقض‏.‏

قاعدة‏:‏

البدل في الشرع خمسة أقسام‏:‏ بدل من المشروعية كالجمعة بدل الظهر، والكعبة بدل من المقدس، وبدل من الفعل كالخفين بدل من الغسل، ومسح الجبيرة بدل الغسل، وبدل في بعض الأحكام دون الفعل،والمشروعية كالتيمم مع الوضوء، ومن كل الأحكام كالصوم من العتق في كفارة الظهار، وبدل من حالة من أحوال الفعل دون المشروعية والفعل والأحكام كالعزم بدل عن تعجيل العبادة في أول الوقت، والتعجيل والتأخير والتوسط أحوال عارضة للفعل، ولكل واحد أحكام تخصه‏:‏ فخاصية الأول‏:‏ أن يكون البدل أفضل، وأن لا يفعل المبدل عنه إلا عند تعذر البدل، عكسه غيره؛ أو قد لا يفعل ألبتة كالصلاة للمقدس، وخاصية الثاني المساواة في المحل، وقد يستوى الحكم كالجبيرة، وقد يختلف كالخف لوجوب الأعلى دون الأسفل، وخاصية الثالث‏:‏ أن لا ينوب عن المبدل في غير ذلك الحكم، بل يختص المبدل منه بأحكام، وخاصية الرابع‏:‏ استواء البدل والمبدل في الأحكام بسببهما‏.‏ وخاصية الخامس‏:‏ أن الفعل بجملة أحكامه باق، وإنما الساقط بالبدل حالة من الأحوال دون شيء من الأحكام، وهذه القاعدة تظهر بطلان قول القائل‏:‏ البدل يقوم مقام المبدل مطلقا، وأن يفعل إلا عند تعذر المبدل، بل ذلك يختلف في الشرع - كما ترى‏.‏ وفي الباب ثلاثة فصول‏:‏

الفصل الأول‏:‏ في شروطها

وهي على قسمين‏:‏ شروط وجوب لا يجب على المكلف تحصيلها وهو شأن شرط الوجوب حيث وقع في الشرع، وشروط أداء يجب على المكلف تحصيلها، وشروط الوجوب على قسمين‏:‏ شروط في الصحة، وفي الوجوب فقط‏.‏ فهذه ثلاثة أقسام‏:‏

الشرط الأول‏:‏ العلم بدخول وقتها، وهو الزوال، وقال بعض الحنابلة‏:‏ أولها وقت صلاة العيدين، وقال بعضهم‏:‏ أو السادسة؛ لقوله - عليه السلام -‏:‏ من راح في الساعة الأولى - الحديث، وجعل خروج الإمام عقيب الخامسة؛ لنا ما في البخاري كان - عليه السلام - يصلي الجمعة حين تميل الشمس، وأن الجمعة هي الظهر، وإنما سقطت الركعتان لتعذر الخطبة؛ كما سقطت لعذر السفر، وقد سلم الخصم آخر الوقت، فتعين أوله عليه، قال سند‏:‏ فلو خطب قبل الزوال وصلى بعده، روى مطرف لا تجزيهم لبطلان الشرط ويعيدون جمعه، قال ابن القاسم في الكتاب‏:‏ ما لم تغب الشمس، ولو كان لا يدرك بعض العصر إلا بعد الغروب، وعند ابن الماجشون آخر وقتها أول العصر فيصلون أربعا حينئذ، وعند سحنون قبل الغروب بقدر الخطبة - والجمعة وجملة العصر، وفي الجواهر أصفرار الشمس، وقيل‏:‏ قبل الغروب بأربع ركعات، وقال مطرف‏:‏ إذا صليت بغير خطبة أعيدت إلى المغرب، ولو صلى العصر بعد الغروب، وقيل‏:‏ قبل الغروب بخمس ركعات سوى زمان الخطبة المتوسطة، فلو خرج عليه وقتها وهو فيها، فروي يتمها جمعة ولو بعد الغروب، وقال الشيخ أبو بكر إن عقد منها ركعة بسجدتيها أتمها، وإلا فظهرا‏.‏

الشرط الثاني‏:‏ الجماعة، ففي الجواهر غير محدودة ولا تجزي الأربعة وما في معناها، بل لا بد ممن تتقرى بهم قرية، والشاذ أنها محدودة في رواية ابن حبيب بثلاثين بيتا - والبيت مسكن الرجل الواحد، وعند ‏(‏ش‏)‏ بأربعين، وعند ربيعة ثلاثة عشر، وعند ‏(‏ح‏)‏ بأربعة بالإمام؛ لأنه عدد يزيد على أقل الجمع، وما عداه من مراتب الأعداد مشكوك فيه، واحتج ‏(‏ش‏)‏ بما يروى السنة‏:‏ إن في كل أربعين فما فوقها جمعة، ونقل المازري عشرة أقوال‏:‏ عدم التحديد، واثنان، وثلاثة، وأربعة، وتسعة، واثنا عشر، وما قارب الثلاثين، وأربعون، وخمسون، ومائتان‏.‏ لنا أن من شرطها الإقامة والأربعة ونحوها لا تمكنهم الإقامة، ولا يشترط الأربعون لما في الصحيحين‏:‏ أقبلت عير بتجارة يوم الجمعة فانصرف الناس ينظرون، وما بقى معه - عليه السلام - غير اثني عشر رجلا، فنزلت‏:‏ وإذا رأوا تجارة أو لهوا ‏.‏ قال ابن القاسم في الكتاب‏:‏ إذا لم يكن معه بعد الخطبة أو فيها جماعة صلى الجمعة أربعا إذا لم يرجعوا، قال سند‏:‏ قال عبد الوهاب‏:‏ قال الأشياخ مقتضى المذهب‏:‏ إن حضورهم الخطبة شرط، وقال الباجي قول أصحابنا‏:‏ إن السعي يجب بالأذان إنه ليس شرطا؛ لأن البعيد لا يأتي حتى تفرغ الخطبة، قال سند‏:‏ والأول أظهر وهو ظاهر الكتاب، وهو قول ‏(‏ش‏)‏ و‏(‏ح‏)‏ - قوسلان؛ لأن المقصود منها الموعظة، ولا تحصل إلا بالجماعة ولأنه العمل، قال‏:‏ وإذا ثبت وجوب حضورهم، فلا يخطب حتى يحضروا ما بقي الوقت المختار، وإلا صلى أربعا؛ فإن خرجوا قبل تمامها، تمادى وحده؛ فإن أتوا صلى بهم على ظاهر الكتاب لقوله إذا لم يرجعوا، والأحسن أن يقال إن حضروا‏:‏ ما له بال أجزأ وإلا فلا؛ فإن انفضوا بعد الخطبة، وأيس منهم صلى أربعا، وإلا انتظرهم إلى الوقت المختار فإن عادوا بالقرب إجتزاوا بالخطبة؛ لأن الفصل اليسير لا يمنع، وإن بعد الوقت فظاهر المذهب أعادة الخطبة لارتباطها بالصلاة، ولهذا يعيدها الوالي الثاني إذا قدم، وقيل‏:‏ ذلك مستحب فإن انفضوا بعد الإحرام فالمذهب أن يئس بنى على إحرامه أربعا، وإلا جعله نافلة وانتظرهم، وإن انفضوا بعد ركعة، قال سحنون كما تقدم، ولو انفضوا في التشهد، فقال أشهب، وعبد الوهاب‏:‏ لا يتمها جمعة؛ لأن بركعة تدرك الصلاة، ورأى سحنون أن شرط الابتداء شرط الانتهاء، فإن انفض من تلزمه الجمعة، وبقي من لا تلزمه، وهم جماعة، قال سحنون‏:‏ لا يجمع خلافا لأشهب؛ لأنهم تبع فلا يستقلون‏.‏

الشرط الثالث‏:‏ الإمام قال صاحب المقدمات‏:‏ هو شرط في الوجوب والصحة، وفي الجواهر‏:‏ لا يشترط حضور السلطان ولا إذنه، وقاله ‏(‏ش‏)‏، وقال ابن مسلمة‏:‏ يشترط، أو رجل يجتمع عليه، وقال يحيى بن عمر‏:‏ لا بد ممن تخاف مخالفته، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ لا بد من السلطان؛ لأنه العمل، وقياسا على الجهاد‏.‏

وجوابه‏:‏ منع الأول - العمل؛ لأن عليا - رضي الله عنه - صلى بالناس وعثمان محصور، وكان قادرا على الاستئذان، وكان سعيد بن العاصي أمير المدينة فأخرج منها، وصلى بهم أبو موسى الأشعري وذلك كثير، وعن الثاني القياس على الصلوات الخمس، قال سند‏:‏ وإذا لم يشترط، فلو تولاها لم يجزأن تقام دونه إلا إذا ضيعها، قال مالك لو تقدم رجل بغير إذنه لم تجزهم؛ لأنه محل اجتهاد؛ فإذا رتب الحاكم فيه شيئا، ارتفع الخلاف؛ أما إذا ضيعها سقط اتباعه فلو لم يتولها السلطان استحب استئذانه مراعاة للخلاف في إذنه، قال ابن القاسم في الكتاب‏:‏ إذا استنكر تأخير الإمام، جمعوا لأنفسهم إن قدروا، وإلا صلوا أربعا يتنفلون معه، لما في أبي داود قال - عليه السلام -‏:‏ يا أبا ذر، كيف بك إذا كان عليك أمراء يميتون الصلاة - أو قال‏:‏ يؤخرون الصلاة -‏؟‏، قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله، فما تأمرني‏؟‏، قال‏:‏ صلى الصلاة لوقتها فإذا أدركتها معهم فصلها؛ فإنها لك نافلة، قال سند‏:‏ يريد بالتأخير إلى العصر، فإذا صلوا الظهر، قال بعض أصحابنا‏:‏ يصلون أفذاذا تشبيها بمن فاتته، ولو دخل وقت العصر وقد صلى ركعة - قال الأبهري يتمها بهم جمعة وإلا أتمها أربعا، وقال ش‏:‏ إن خرج الوقت قبل فراغها أتمها أربعا، وقال ابن حنبل‏:‏ إن أحرم في وقتها أتمها جمعة، وقال ح‏:‏ لا يبني ويستأنف أربعا والمشهور اتمامها جمعة، وإذا صلوا ظهرا ثم أتى الإمام في الوقت، لزمهم الإعادة، وإلا فلا، وعليه يحمل قوله‏:‏ يتنفلون معه، وعلى قول ابن القصار‏:‏ يجوز تأخير الجمعة إلى الغروب تلزمهم الإعادة، وإذا قلنا‏:‏ لا تلزمهم فيعيدون بنية الجمعة كإعادة الصلاة في جماعة؛ فإن تأخر معه جماعة غيرهم أجزائهم، وإلا فلا‏.‏

الشرط الرابع‏:‏ المسجد، قال صاحب المقدمات‏:‏ هو شرط في الوجوب، والصحة على رأي من يشترط فيه البنيان، وأما على رأي من لا يشترطه بل يكتفي بالفضاء إذا حبس وعين للصلاة، وحكم له بالمسجد، يكون شرطا في الصحة فقط، فإن مثل هذا لا يتعذر، وافتى الباجي إذا انهدم سقف المسجد، لا تقام فيه الجمعة، قال وهو يعيد بل تقام فيه؛ لأنه يسمى مسجدا حينئذ، وحكمه في التعظيم الشرعي حكم المسجد، وقال الباجي‏:‏ لا تقام إلا في الجامع؛ فلو منع مانع لم تقم في المساجد حتى يحكم الإمام لواحد منهما بكونه جامعا، قال وهو بعيد‏:‏ بل تقام فيه من غير نقل حكم إليه، قال‏:‏ فإن قيل لو جاز ذلك؛ لجاز للراعف إن يتم بقية الجمعة في بعض المساجد، قال‏:‏ قلت‏:‏ قد جوزه بعض الأصحاب وأن منعنا؛ فلأنه التزم الصلاة في الجامع ابتداء‏.‏ وفي الجواهر‏:‏ يشترط في ذلك البنيان المعتاد للمساجد، وأن يتفق على الاجتماع فيه على التأبيد؛ فكل جامع مسجد، وليس كل مسجد جامعا، واستقرأ الصالحي عدم وجوبه - استقراء باطلا، ودليل وجوبه قوله تعالى‏:‏ إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله، والنداء إنما يكون عادة في المساجد للعمل، قال سند‏:‏ ولا يكون عند مالك إلا داخل المصر، وجوز ح مصلى العيد لشبه الجمعة بالعيد؛ لنا أنه مكان تقصر فيه الصلاة فيكون منافيا لوجوب الجمعة‏.‏

قاعدة‏:‏

متى كان فعله - عليه السلام - بيانا لمجمل، كان حكمه حكم ذلك المجمل إن، واجبا فواجب، وأن مباحا فمباح؛ لأن البيان مراد للمتكلم حالة التخاطب، فهو موجود في الكلام الأول، وآية الجمعة مجملة لم تدل على خصوص صلاة، فيحتمل الصبح، والظهر، والعصر، والسر، والجهر، وغير ذلك، فبين - عليه السلام - جميع ذلك؛ فجميع بيانه يكون واجبا إلا ما دل الدليل على خلافه‏.‏ فبهذه القاعدة يستدل على وجوب المسجد والخطبة وسائر الفروض‏.‏

فروع ثلاثة‏:‏

الأول في الكتاب‏:‏ لا يصلى في المواضع المحجور عليها حول المسجد – وإن أذن أهلها في ذلك، قال سند‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ ويعيدون وإن ذهب الوقت؛ لأن عدم الحجر من خواص المسجد؛ فإذا عدم افقد الشرط، ولأن السعي واجب، وتجوز ذلك يبطله بخلاف الطرق فإنها لا تبطل السعي، وقال ابن نافع‏:‏ يكره فإن اتصلت الصفوف صح اعتبارا بحجر أزواجه - عليه السلام -، وأجيب بأن الحجر كن في المسجد من جريد، ومسوح الشعر - ولم يفت الشرط، أو بأنها كانت تدخل بغير إذن، وقال مالك‏:‏ ليست من المسجد بل أبوابها شارعة في المسجد، وكان المسجد يضيق على أهله فيتسع الناس بها، وهذا هو الذي يتجه؛ لأنها لو كانت في المسجد لامتنع الوطء، واللبث في زمن الحيض والجنابة‏.‏

الثاني في الجلاب‏:‏ لا يصلى في بيت القناديل، ولا على سطح المسجد، وفي الكتاب يعيد بعد الوقت أربعا، قال سند‏:‏ وروى مطرف، وعبد الملك الجواز، وقاله أشهب، واصبغ؛ لأنه أولى من الأفنية فإن أهوية الأوقاف أوقاف‏.‏

سؤال‏:‏ قد حنثه مالك إذا حلف لا يدخل المسجد فصعد السطح جوابه‏:‏ أنه احتياط في الصورتين، والحنث لا يتوقف على الصلاة، بدليل التحنيث بأكل اللبابة من الرغيف المحلوف عليه، وهي ليست رغيفا عرفا ولا لغة‏.‏

الثالث جوز في الكتاب‏:‏ الصلاة في الأفنية المباحة، وإن لم تتصل بها الصفوف إذا ضاق المسجد؛ لأن المسجد لما تعذر لم يعتبر الصف، وفي الطرق ذات الأرواث إذا ضاق المسجد، وحكى اللخمي عن سحنون منعه‏.‏

القسم الثاني‏:‏ شروط الوجوب دون الصحة، وهي ستة‏:‏ الشرط الأول‏:‏ والثاني، والثالث، والرابع، في الجواهر‏:‏ البلوغ، والإقامة، والحرية، والذكورية، ونقل ابن شعبان عن مالك الوجوب في العبد‏.‏ لنا قوله - عليه السلام - في أبي داود‏:‏ الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة‏:‏ عبد مملوك، وامرأة، أو صبي، أو مريض، وأنه - عليه السلام - كان مسافرا في حجة الوداع فلم يصل الجمعة، قال سند‏:‏ وفي الكتاب يغتسل من حضر منهم، ويكره للشابة الحضور، ويستحب للعبد إن أذن له السيد، وفي الجلاب يستحب للمكاتب بخلاف المدبر‏.‏

تمهيد‏:‏

الواجب عليهم إحدى الصلاتين‏:‏ إما الظهر أو الجمعة، فمتعلق الوجوب القدر المشترك الذي هو مفهوم أحداهما، ولا تخيير فيه والخصوص متعلق التخيير، ولا إيجاب فيهما كما قلنا في خصال الكفارة، فكما يتصف كل واحد من خصال الكفارة بالوجوب وتبرأ الذمة به فكذلك هاهنا، وليست ذلك من باب اجزاء ما ليس بواجب عن الواجب، وكذلك المسافر يجب عليه أحد الشهرين رمضان أو شهر القضاء، وإحدى الصلاتين القصر أو الإتمام‏.‏

الشرط الخامس‏:‏ الاستيطان، قال صاحب المقدمات‏:‏ الأظهر أنه شرط في الوجوب دون الصحة، وفي الكتاب‏:‏ يجمع في القرية ذات الأسواق كان لها وال أو لم يكن ومرة لم يذكر الأسواق، لنا أن قبائل العرب كانت حول المدينة ولم يأمرهم - عليه السلام - بإقامتها، واشترط ح أن يكون مصرا وفيه من ينفذ الأحكام محتجا بما يروى‏:‏ أنه - عليه السلام -، قال‏:‏ لا جمعة ولا تشريف إلا في مصر جامع ‏.‏

وجوابه‏:‏ منع الصحة، وفي أبي داود أول جمعة جمعت في الإسلام بعد جمعة جمعت في مسجده - عليه السلام - لجمعة جمعت بجواثاء قرية من قرى البحرين، قال سند‏:‏ مقتضى المذهب اشتراط السوق في القرية؛ لتوقف الاستيطان عليه عادة، قال‏:‏ فلو مرت جماعة بقرية خالية ينزلونها شهرين، قال ابن القاسم‏:‏ إن أقاموا ستة أشهر جمعوا، وإلا فلا، قال الباجي‏:‏ إن عللنا بالاستيطان لم يجمعوا أو بالاقامة جمعوا، والأول الأظهر، فإن أهل العمود مقيمون ولا يجمعون، قال في الكتاب‏:‏ يجمع أهل الأخصاص، ومنع في غير الكتاب، ورأى أن البنيان من شعار الأمصار، وإذا جوزنا في الأخصاص فقد منع مالك في الخيم، وجوزه ابن وهب، والفرق بينهما على المذهب أن الخص أشبه بالبنيان، وكان مسجده - عليه السلام - عريشا كالخص، والخيام أشبه بالسفن لانتقالها، وفي الكتاب‏:‏ إذا مر الأمير مسافرا بقرية من قرى عمله تجمع في مثلها الجمعة، جمع بهم، وإن كانت لا تجمع في مثلها، أعادوا هم وهو؛ أما الأولى فلان عمر - رضي الله عنه - جمع بأهل مكة، وهو مسافر من غير نكير، فكان إجماعا، ولأنها كانت تجب على نائبه في المكان وتصح منه؛ فإذا حضر الأصل؛ فهو أوفق بذلك؛ أو تقديما لمصلحة حرمة الإمامة بعد تقدم الغير؛ كما قلنا في سائر الصلوات مع الأعلم منه، ومع الأبلغ دعاء من القرابة في الجنائز، وأما الثاني فلأن الجمعة لا تجزئ عن الظهر، قال سند‏:‏ وقال ابن عبد الحكم‏:‏تجزئ الإمام والمسافرين؛ لأن ظهرهم ركعتان والجهر وقع منه بالتأويل، والفرق بينه وبين العبد والمرأة إذا شهدا الجمعة‏:‏ أنها تصح مع فقدان بعض الشروط في حق هذا وهو المكان الذي يستوطن فيه، وبينه، وبين غيره من المسافرين‏:‏ أنهم إذا استخلفوا لا تجزيهم‏:‏ أن فعله يجري مجرى حكم الحاكم في إسقاط الشروط بخلافهم‏.‏

الشرط السادس‏:‏ الكون في مسافة سماع النداء، في الكتاب يشهدها من على ثلاثة أميال أو أزيد يسيرا من المدينة؛ لأنه الذي يسمع منه النداء غالبا مع انتفاء الموانع، وقاله ابن حنبل، وقال ش‏:‏ الاعتبار بسماع النداء، وقال ح‏:‏ لا تجب على الخارج عن المدينة ألبتة؛ محتجا بأن عثمان - رضي الله عنه - أذن يوم العيد لما كان يوم الجمعة لأهل العوالي إن ينصرفوا‏.‏ لنا قوله تعالى‏:‏ إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا من غير تخصيص، وفي أبي داود الجمعة على من سمع النداء، وفي الترمذي أمرهم - عليه السلام - أن يشهدوا الجمعة من قباء، قال سند‏:‏ وأجمعت الأمة على الوجوب على من حواه المصر سواء سمع أو لم يسمع‏.‏

واعتبر ابن عبد الحكم ثلاثة الأميال من خارج المصر، والقاضي عبد الوهاب من الجامع لئلا تجب من خمسة أميال فأكثر، وفي الجواهر المراعى في ذلك‏:‏ مكانه وقت وجوب السعي عليه دون مكان منزله، وليس لمن هو على ثلاثة أميال إقامتها لوجوب السعي عليهم، وقاله ابن حبيب، وقال يحيى بن عمر‏:‏ لا يقيمونها إلا بعد ستة أميال؛ لأن أقل من ذلك يوجب السعي على من دونهم إليهم والي المدينة فيلزم عصيانهم بأحدهما فيمنعون لنفي التشويش عن المتوسطين، وقال الباجي‏:‏ يقيمونها بعد ثلاثة أميال، فمن لا يجب عليه السعي يجب عليه إقامتها، ولا يقيمونها إلا بعد بريد لتعلقهم بالمدينة في سوقها ومشاهدة بيدائها، قال سند‏:‏ فلو صلى أهل القرية القرية في جامع هذه القرية البعيدة؛ الظاهر عدم الإجزاء؛ لأن جمعتهم بالمصر بالجامع العتيق، ويحتمل الإجزاء لصلاتهم خلف من صحت جمعته، وإنما يعتبر العتيق في حق أهل المصر القسم الثالث‏:‏ شرط الصحة فقط، قال صاحب المقدمات‏:‏ وهو الخطبة، وفيه فروع تسعة‏:‏ الأول في الكتاب‏:‏ الخطب كلها سواء في الجمعة وغيرها لا يسلم على الناس إذا صعد، ويجلس في خطبة العيدين قبلها، وفي الجمعة حتى يؤذن المؤذن، وفي الجميع يخطب خطبتين يجلس بينهما؛ لما في أبي داود كان - عليه السلام - يخطب خطبتين، وكان يجلس إذا صعد على المنبر حتى يفرغ المؤذن، ثم يقوم فيخطب، ثم يجلس فلا يتكلم حتى يقوم فيخطب، قال سند‏:‏

قال القاضي عبد الوهاب‏:‏ الجلسة ليست واجبة، وروي عن ابن القاسم وجوبها، ومقدارها جلسة بين السجدتين، وأما عدم السلام؛ فلمالك وح خلافا ش محتجا بما يروى عنه - عليه السلام -‏:‏ كان إذا دنا من منبره يوم الجمعة سلم على من عند منبره من الجلوس، وإذا صعد استقبل بوجهه وسلم، وقال ابن حبيب‏:‏ إن كان معهم لا يسلم، وإن خرج عليهم سلم إذا صعد واستقبلهم‏.‏ لنا عمل المدينة، قال اللخمي‏:‏ إذا خرج سلم على من خرج عليهم، وحكى الخلاف فيما عدا حالة الخروج‏.‏قال سند‏:‏ فإذا فرغ المؤذن وثم من تنعقد بهم الجمعة خطب، وإلا فلا، والقيام من سنتها، وقال ش‏:‏ شرط، وقال ح، وابن حنبل‏:‏ يجوز أن يخطب قاعدا؛ لنا أنها السنة وأبلغ في الإسماع، ولنا على ش القياس على ترك المنبر‏.‏ الثاني في الكتاب‏:‏ يجوز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للخطيب، ولا يكون لاغيا بذلك ولا من يجاوبه؛ لما في الموطأ قال‏:‏ دخل رجل من أصحابه - عليه السلام - يوم الجمعة، وعمر بن الخطاب - رضي الله عنهم - يخطب، فقال عمر‏:‏ أية ساعة هذه‏؟‏ فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين، انقلبت من السوق فسمعت النداء فما زدت على أن توضأت؛ فقال عمر‏:‏ الوضوء أيضا‏؟‏ وقيل‏:‏ الرجل عثمان‏.‏ الثالث في الكتاب‏:‏ يستحب لإمام المنبر الاتكاء على العصا؛ لأنه - عليه السلام - كان يتوكأ على العصا، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، قال سند‏:‏ وحكمتها منع اليد من العبث، ومسك اللحية، وغير ذلك، والقوس عند مالك مثل العصا، وروي عنه لا يتوكأ على قوس إلا في السفر؛ لأن العصا السنة، وليس له سنة فيما يصنع بيديه يرسلهما أو يقبض اليسرى باليمنى، واستحب بين تحريك جسده ويديه، ولم يحدد ذلك مالك، وفي الجواهر ‏:‏ يبدأ بالحمد، ويختم بقوله‏:‏ يغفر الله لي ولكم؛ فإن قال‏:‏ اذكروا الله يذكركم فحسن، ويؤمر بالطهارة في الخطبة، وهل ذلك على الندب أو على الوجوب‏؟‏ عند القاضي أبي بكر قولان، ويؤمر برفع الصوت؛ ولذلك اتخذ المنبر‏.‏ الرابع في الكتاب‏:‏ إذا أحدث في الخطبة استخلف من يتم بهم الخطبة والصلاة، وكذلك إذا أحدث بعد الخطبة؛ فإن لم يستخلف، قال سند‏:‏ أجاز ابن القاسم الوضوء في صحن الجامع، وكرهه مالك ولو في طست؛ فإذا توضأ قال ابن المواز‏:‏ يبتدئ الخطبة، وقال أشهب‏:‏ يبني إن قرب؛ فإن عاد بعد الاستخلاف فالخليفة أولى بالخطبة والصلاة؛ لثبوت حكم الإمامة له، ولو تقدم الأول؛ لجاز، ويختلف إذا اخرجه بعد الإحرام، وقد تقدم ذلك في الاستخلاف، وكره في الكتاب‏:‏ إن يستخلف على الصلاة من لم يشهد الخطبة؛ فإن فعل جاز خلافا للشافعية، وإذا صححنا فالأحسن أن يعيد الخطبة، فلو استمر على الخطبة بعد الحدث فكرهه في الكتاب، والمذهب أن الطهارة ليست شرطا في الخطبة، وقال سحنون‏:‏ إن خطب جنبا أعاد الصلاة أبدا، والمدرك أنه ذكر في الصلاة متردد بين الأذان والتكبير؛ فإن استخلف من لم يدرك الإحرام معه بل أحرم بعد من خلفه، وكان قد دخل معه طائفة، فللأصحاب عدم الإجزاء للجميع؛ لأن إحرام الأولين قبل إمامهم، وصلاة الآخرين بغير خطبة، والإجزاء أيضا، والأول أظهر، ولو استخلف من دخل خلفه فشك بعد الصلاة في الإحرام أعادوا كلهم الجمعة، وفي الجلاب‏:‏ إذا أحدث الإمام استخلف عليهم، فإن لم يستخلف استخلفوا، فإن لم يفعلوا وصلوا أفذاذا ظهرا أربعا أجزأهم، قال سند‏:‏ قوله‏:‏ أجزأهم؛ لا يصح لأن فرض الوقت الجمعة، فلا يجزيهم الظهر ما أمكنهم الجمعة‏.‏ الخامس في الكتاب‏:‏ إذا قدم وال بعد الخطبة يبتدئها؛ لأن الجمعة من الأحكام الاجتهادية؛ لاختلاف العلماء‏:‏ هل تفتقر للسلطان أم لا‏؟‏ فإذا وليها السلطان فقد ارتفع الخلاف؛ كحكم الحاكم إذا اتصل بالقضايا فلا تصح إلا منه، ويليه وكيله، والوكيل إذا عزل في أثناء تصرفه المرتبط بعضه ببعض سقط اعتبار ما مضى منه، قال سند‏:‏ فإن صلى بخطبة الأول‏:‏ قال ابن المواز، وسحنون‏:‏ لا تجزيهم خلافا لابن حبيب؛ لأن أبا عبيدة قدم على خالد بن الوليد فعزله وهو يخطب، فلما فرغ صلى أبو عبيدة، وكما لو أحدث فتقدم غيره بغير إذنه، ولو تمادى الأول بعد علمه بالثاني حتى صلى فرضي بذلك الثاني، قال ابن القاسم‏:‏ يعيدون أبدا فلو أذن الثاني للأول أجزأتهم عند ابن القاسم إن أعادوا الخطبة؛ لأنه استخلاف من الثاني فيما كان يفعله؛ فلو قدم الثاني بعد ركعة، قال ابن المواز‏:‏ يعيدون الخطبة والصلاة، فإن قدم بعد الصلاة في الوقت، قال بعض القرويين‏:‏ يعيدون، وهذا يتخرج على أن العلم بالعزل ليس بشرط، وعلى القول بشرطيته لا يعيدون‏.‏ السادس‏:‏ قال ابن القاسم في الكتاب‏:‏ إذا خطب بماله بال أجزأ، وإلا أعادوا الخطبة والصلاة، قال سند وقال مالك‏:‏ إذا سبح أو هلل ولم يخطب، أعادوا ما لم يصل؛ فإذا صلى فلا، وقال مطرف‏:‏ يكفي أدنى شيء، وقال ح‏:‏ يكفي تسبيحه أو تهليله، ووافق ش ابن القاسم مراعاة للاسم والعمل، وجه قول مطرف قوله تعالى‏:‏ فاسعوا إلى ذكر الله من غير تفصيل، قال‏:‏ واتفق الجميع على استحسان قصر الخطبة، وفي مسلم طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه؛ فأطيلوا الصلاة، وأقصروا الخطبة، قال غيره‏:‏ والثانية أقصر من الأولى، قال‏:‏ ويستحب أن يقرأ في الخطبة ولا يجب؛ خلافا للشافعية محتجين بقياس الخطبتين على الركعتين، قال ابن حبيب‏:‏ وكان - عليه السلام - لا يترك في خطبته‏:‏ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا - إلى قوله - عظيما، قال‏:‏ وينبغي أن يقرأ في الخطبة الأولى سورة تامة من قصار المفصل، وكان عمر ابن عبد العزيز يقرأ بـ ألهاكم التكاثر، وتارة بالعصر؛ فاستحباب الإكمال قياسا على الصلاة، والقصر لاستحباب قصر الخطبة، قال مالك‏:‏ ولا يقرأ بسورة فيها سجدة؛ فإن فعل فلا ينزل للسجدة، وفي الموطأ أن عمر - رضي الله عنه - قرأ سجدة على المنبر فنزل فسجد، قال مالك‏:‏ وليس العمل على النزول خلافا لأشهب، وح ش؛ لأن عمر إنما فعل ذلك للتعليم، فإن ارتج عليه قال ابن حبيب‏:‏ يفتح عليه في القراءة دون الخطبة لإرشاد بعض القراءة لبعضها بخلاف الخطبة، قال سند‏:‏ إلا أن تكون الخطبة واحدة يكررها كل جمعة، وتستحب الصلاة على النبي - عليه السلام -، وأوجبها ش، والحمد، والوصية بالتقوى‏.‏ السابع قال ابن القاسم في الكتاب‏:‏ إذا جهل فصلى ثم خطب؛ يعيد الصلاة، وتجزئ الخطبة؛ لأن الشرط يتقدم المشروط‏.‏

قال سند‏:‏ فلو خرج الوقت صلوا أربعا إلا عند عبد الملك؛ لعدم إيجابه الخطبة‏.‏ الثامن في الكتاب‏:‏ من خرج عليه الإمام في صلاة أتمها، ولا يبتدئ صلاة بعد خروجه، وقاله ح، وقال ش، وابن حنبل‏:‏ يحيى المسجد بعد خروجه محتجين بما في الصحيحين‏:‏ قال جابر‏:‏ بينما النبي - عليه السلام - يخطب يوم الجمعة إذ جاء رجل، فقال له النبي - عليه السلام -‏:‏ أصليت يا فلان‏؟‏ قال‏:‏ لا، قال‏:‏ قم فاركع، ويروى‏:‏ إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين، وليتجوز فيهما‏.‏

وجوابه‏:‏ أنها قضية عين؛ فيحتمل أنه - عليه السلام - ترك الخطابة حين الصلاة، أو كان ذا فاقة فقصد - عليه السلام - أن يشاهده الناس؛ أو أنه منسوخ بما يروى من النهي عن الصلاة حينئذ، ويعضد ذلك قوله - عليه السلام - إذا قلت لصاحبك‏:‏ أنصت - والإمام يخطب فقد لغوت، فنهى عن النهي عن المنكر الذي هو وأجب فأولى المندوب، قال سند‏:‏ ولهذا ترك الخطباء الركوع إذا خرجوا اشتغالا بالخطبة التي هي أهم، قال، وقال مالك‏:‏ أيضا له التنقل بعد الخروج حتى يرقى المنبر فإن أحرم بعد الجلوس عند الأذان فلمالك يقطع لعدم المشروعية، ولا يقطع؛ لأنه لم يفوت واجبا، ولو دخل فأحرم والإمام يخطب فقولان؛ إذ لا فرق بين المسألتين، قال صاحب البيان‏:‏ هذا الخلاف في الداخل، أما الجالس في المسجد فيقطع قولا واحدا؛ إذ لا خلاف فيه‏.‏ التاسع في الكتاب‏:‏ لا يذكر إلا الشيء الخفيف في نفسه، وينصت من بعد كمن قرب خلافا لابن حنبل؛ لأن عثمان - رضي الله عنه - كان إذا خطب يقول‏:‏ إذا قام الإمام يخطب يوم الجمعة فاستمعوا وأنصتوا؛ فإن للمنصت الذي لا يسمع من الحظ مثل ما للمنصت السامع من غير نكير؛ فكان إجماعا، قال سند‏:‏ قال مالك‏:‏ ولا يشمت العاطس سرا ولا جهرا، ولا يرد سلاما، ولا يشرب الماء؛ لوجوب الانصات، ويسكت الناس بالتسبيح؛ لأنه أبيح في الصلاة، وبالإشارة، ولا يحصبهم لما في مسلم، قال - عليه السلام - من حرك الحصباء لغا، قال ابن رشد‏:‏ والأمر في التحصيب واسع؛ ففي الموطأ أن ابن عمر - رضي الله عنهما - رأى متحدثين والإمام يخطب، فحصبهما إلى أن صمتا، قال المازري‏:‏ ويجب الإنصات بين الخطبتين، قال‏:‏ ومقتضى تعليل المذهب إيقاع الصبح المنسية، والإمام يخطب، وقد قاله بعض البغداديين؛ لأنه يترك الواجب لما هو أوجب منه، قال سند‏:‏ فلو لغا الإمام بلغو أحد، قال مالك‏:‏ ينصتون، ولا يتكلمون لاحتمال عوده إلى الخطبة، قال أشهب‏:‏ ولا يقطع ذلك خطبته، وقال ابن حبيب‏:‏ لا ينصتون ولا يتحولون عنه، فلو اشتغل بقراءة كتاب ونحوه، قال مالك‏:‏ ليس عليهم أن ينصتوا، وفي الكتاب‏:‏ إذا أخذ في الخطبة استقبله الناس؛ لأن الاستماع بالأذن والقلب والعين؛ لقوله - عليه السلام - حدث الناس ما حدثوك بأبصارهم، قال سند‏:‏ وهو مندوب وسوى ابن حبيب فيه بين السامع وغيره‏.‏